نشر موقع “ميديا بارت” للتحقيق الإستقصائي، تقريراً جديداً عن قضية التمويل الليبي المفترض لحملة نيكولا ساركوزي الرئاسية في فرنسا في العام 2007. لكن التقرير حمل فضيحة جديدة تتعلق بلبنان، وتسلط الضوء على ما وصفه التقرير بـ”فساد القضاة” في لبنان الهدف هذه المرة: “إطلاق سراح هنيبعل القذافي”.
وبحسب التقرير، “بدأ الأمر بإكتشاف سلسلة من الرسائل السرية بين رجلين: نويل دوبوس، أحد مهندسي عملية تقي الدين، ومدعو آخر (علي س.)، الذي قدمه دوبوس على أنه جنرال في المخابرات اللبنانية، وإبن “عضو بارز في حزب الله””.
وقال التقرير: “تم تعبئة المدعو (علي س.)، بعد ذلك للقيام بعملية ثانية أكثر خطورة بكثير تهدف، مرة أخرى، إلى إضعاف الاتهام في قضية التمويل الليبي لنيكولا ساركوزي”.
وفي ما يلي النص الحرفي لما جاء في التقرير:
“قام مكتب المدعي العام المالي الوطني الفرنسي (PNF)، بتوسيع البحث في نطاق قضية ميمي مارشان – تقي الدين للاشتباه في فساد القضاة في لبنان. الهدف: تحرير أحد أبناء معمر القذافي (هنيبعل)، حتى تتمكن عائلة “الديكتاتور الليبي السابق” من إخراج نيكولا ساركوزي من قضية الفساد.
تأخذ قصة تراجع تقي الدين، عن (اتهاماته ضد الرئيس الفرنسي الأسبق) الزائفة في قضية التمويل الليبي لحملة ساركوزي الرئاسية أبعاداً قضائية جديدة. وتمحور الملف حتى الآن حول شبهات “رشوة الشهود” و “تكوين عصابة إجرامية” على صلة بتصريحات الوسيط زياد تقي الدين لصالح نيكولا ساركوزي.
وهذا يؤدي الى “فضيحة دولية محتملة”.
وسع مكتب المدعي المالي الوطني الفرنسي (PNF)، في 14 أيلول الماضي، نطاق التحقيقات ليشمل جريمتين جديدتين، وليس أقلها: الفساد، السلبي والنشط، لموظفي القضاء في دولة أجنبية (لبنان).
وفقاً للعناصر التي كشفها التحقيق مؤخراً، فإن العديد من الأشخاص المتورطين بالفعل في جزء تقي الدين من القضية يُشتبه بالفعل في مشاركتهم في مشروع “مجنون”: “إخراج هنيبعل القذافي، مقابل الدفع لقضاة في لبنان”. والهدف؟ الحصول منه في المقابل على تصريحات تثبت براءة نيكولا ساركوزي.
يبدو أن الرسائل الواردة من سيدة الأعمال ميشيل مارشان، الملقبة بـ “ميمي”، رئيسة وكالة صائدي الصور “بيست-إيميج” والمقربة من ساركوزي وإيمانويل ماكرون، تشير إلى أن نيكولا ساركوزي أُبلغ بخطة إطلاق سراح هنيبعل القذافي.
لكن بعيدا عن هذه الجبهة القضائية الجديدة التي بدأت في الظهور، أحرزت التحقيقات أيضا تقدما كبيرا في أحد أهم جوانبها: “تمويل المراحل المختلفة لتراجع زياد تقي الدين عن اقواله لصالح الرئيس السابق للدولة الفرنسية”.
وقيّم موقع “ميديا بارت” التقدم المحرز في هذا التحقيق المتفجر:
1. إطلاق سراح ابن القذافي لمصلحة ساركوزي: أسرار عملية هنيبعل.
بدأ الأمر باكتشاف سلسلة من الرسائل السرية بين رجلين: نويل دوبوس، أحد مهندسي عملية تقي الدين، ومدعو آخر (علي س.)، الذي قدمه دوبوس على أنه جنرال في المخابرات اللبنانية، ابن ‘عضو بارز في حزب الله”.
متورطاً بالفعل في تراجع زياد تقي الدين عن أقواله، تم تعبئة المدعو (علي س.)، بعد ذلك للقيام بعملية ثانية أكثر خطورة بكثير تهدف، مرة أخرى، إلى إضعاف الاتهام في قضية التمويل الليبي لنيكولا ساركوزي.
في نهاية العام 2020، أخذ المدعو نويل دوبوس على عاتقه مهمة إطلاق سراح هنيبعل القذافي المحتجز حاليًا في لبنان. في المقابل، توقع الوسيط الفرنسي، في اتصال مع عائلة القذافي في مصر وتونس، الحصول على تصريحات تهدف بشكل خاص إلى توضيح أن الوثيقة التي كشفت عنها ميديا بارت في العام 2012 بشأن الوعد المالي الليبي لحملة ساركوزي كانت كاذبة، على الرغم من أن المحاكم الفرنسية حكمت بشكل قاطع بخلاف ذلك.
وبقي إذن إطلاق سراح هنيبعل القذافي ليبدأ إطلاق العملية: نظم نويل دوبوس دفع المال لقضاة لبنانيين مع (علي س.)، بحسب رسائل متبادلة بين الرجلين.
تنص الخطة التي قدمها نويل دوبوس على وجه الخصوص، على دفع مبلغ “350.000 يورو + 250.000 يورو للقاضي” ، عندما “يؤكد الإفراج عن هانيبال بكفالة”.
في 30 كانون الاول 2020، أوضح (علي س.) لنويل دوبوس أنه “التقى اليوم بالقاضي لتحيته. وسأله القاضي عن صديقنا الليبي المسجون. قال نويل دوبوس: أولاً ، يجب أن أراه في السجن. بعد ذلك سيكون الأمر أسهل لأن عائلة [القذافي] ستثق بي. عندما طلب منه (علي س.) القدوم إلى لبنان، قام نويل دوبوس برحلتين من 27 كانون الثاني إلى 3 شباط، ثم من 7 إلى 10 شباط.
وخلال هذه الرحلات، أبلغ الوسيط عن بعض لقاءاته مع المدعو (حمادي. م)، الذي تم تقديمه كمدير بروتوكول بالسفارة الليبية في باريس. قال مساعد سابق لدوبوس للمحققين إنه هو الذي جعل نويل دوبوس على اتصال بأسرة القذافي.
في كانون الأول من العام 2020، أرسل نويل دوبوس بالفعل نسخة من الوثيقة الليبية التي نشرتها “ميديا بارت” في العام 2012، قبل إطلاعه على عملية تقي الدين في مجلة الـ”باري ماتش”.
في حواراته مع نويل دوبوس، يتحدث حمادي. م عن “عميل”، على صلة بـ “مراسل” في تونس، ينتظر تطور ملف هنيبعل “بفارغ الصبر”. من الواضح أنه يشك في بعض الأحيان في قدرة محاوره على تحقيق غاياته، ويتذكر أن الأمر يتعلق في “مصداقيته” في هذا الشأن. حذره في 26 كانون الثاني: “أنت تعلم أن الأمر حساس جداً”.
لتوضيح الأمور، أرسل له نويل دوبوس، في 22 شباط، وثيقة بعنوان “ملف هنيبعل” تم إعدادها “بعد مناقشات مع الأشخاص المعنيين”.
الخطة:
تتضمن الخطة دفع مبلغ “350.000 يورو + 250.000 يورو للقاضي”، عندما “يؤكد الإفراج عن هانيبال بكفالة”. والتي يجب أن يضاف إليها، في غضون 48 ساعة بعد الإفراج، مبلغ بقيمة “500 ألف يورو لمسؤول كبير في محكمة العدل (قصر العدل في لبنان)”، وكذلك “80 ألف يورو” من أجل “إغلاق” قضية أخرى ضد هنيبعل القذافي، حسب قول نويل دوبوس الذي أوضح أنه ينتظر بعد ذلك “موافقة” أحد أفراد عائلة القذافي.
في 28 (شباط) الماضي، أكد المدعو (علي س.) لنويل دوبوس أنه “التقى النائب العام” وسأله ماذا حدث معك بخصوص العمل، في 11 آذار، ذكّر (علي. س) الوسيط الفرنسي وقال له: “مساء الخير، سيد نويل، هل يمكنك أن تعطيني القرار النهائي بشأن السيد هاني؟” يرد “دوبوس” على الفور: “سنطلق سراحه بفضلكم. آمل أن يكون كل شيء على ما يرام”، يواصل (علي س.) مع ذلك، موضحا أنه “يشعر بالحرج من رئيس المجلس الأعلى للقضاء”.
تم تأجيل القضية، جزئيا بسبب “تناوب القضاة” في هذا الموقع، وفق ما حذر (علي س.)، في 30 آذار. ولكن في هذا التاريخ تم سجن زياد تقي الدين في لبنان، الذي يبدو أن العلاقات معه انتعشت. بعد عملية “باري ماتش” في نهاية العام 2020، حصل تقي الدين على وعد بتقديم تمويل بملايين اليورو، وهو ما لم يره في النهاية.
“زياد، سيدخل السجن خلال هذا الأسبوع”، يشرح (علي س.) لنويل دوبوس في 30 آذار. وبعد يومين، كان العميل اللبناني أكثر تحديداً: “يوم الاثنين [5 نيسان] يوم عطلة رسمية [إثنين الفصح]، سيذهب دوبوس إلى أجهزة الشرطة، ويوم الثلاثاء سيكون داخل السجن. وأكد (علي س.) أنه في 6 نيسان الساعة 2:56 مساءً: “دخل زياد السجن. لقد سُجن زياد تقي الدين بالفعل خلال هذه الفترة، على أسس قضائية غير معروفة حتى الآن.
ويعود (علي س.) يعود لموضوع ابن القذافي وسأل: “غدا سألتقي النائب العام . هل هناك شيء جديد في ملف هنيبعل”؟ أجاب نويل دوبوس: “الأسرة على ما يرام”.
لكن في 19 نيسان، أعرب (علي س.) عن مشكلة: “نحن نحتاج الى العمل في قضية هنيبعل في أقرب وقت ممكن قبل تغيير نظام العدالة الجديد والذي يمكن أن يحصل قريبا. “قبل يومين، في الواقع، ثارت وزيرة العدل المؤقتة ماري كلود نجم علنا، بعد قضية جديدة شككت في استخدام القضاء اللبناني كأداة، ضد هذه السلطة القضائية (…) غير القادرة على محاربة الفساد”.
“في الأسبوع المقبل يمكنك تسوية الموضوع مع القاضي الثاني. ثم الاستعداد لجلسة إطلاق سراح هنيبعل”. وعد نويل دوبوس، رغم أنه يواجه بعض الصعوبات في جمع الأموال في فرنسا.
في 15 أيار، إستأنف نويل دوبوس الحديث مع (علي س.) وقال: “يمكننا إعطاء المزيد للقاضي. مثلاً 60 في الأيام المقبلة، + 20 عندما تكون في لبنان، + 60 في اليوم الذي يسبق اطلاق السراح”.
في مكاتب “بست إميج”، تتابع ميمي مارشاند عن كثب تطور قضية ابن القذافي، وفقًا للعناصر التي جمعها المحققون. في 18 أيار، عندما كتب لها نويل دوبوس أنه رأى هنيبعل وأنه “عائد غداً”، ردت ميمي مارشاند: “ماذا ؟؟؟ حقاً؟ (…) أعتقدت أنك رأيته مرتين. لكن نويل دوبوس أجابها: “كلا لقد أخبرتك في اليومين الثامن عشر والسابع والعشرين”.
في 27 أيار، عندما عاد نويل دوبوس مرة أخرى إلى بيروت، كانت ميمي مارشان في دائرة الشك، وفي الواقع ورطت نيكولا ساركوزي في هذا الجزء من القصة. وكتبت: “جعلني “زيبولون” (الإسم المستعار الذي أطلقوه على ساركوزي) أفهم أن ذلك لن ينجح … وأنهم لن يدفعوا لـ”K” أي القذافي.. رأيت ساركوزي وكان منزعجاً”. لكن نويل دوبوس أجاب: “إنه مخطئ”. وردت عليه ميمي مارشاند: “نعم، أعلم لكن الحجج تنفد!”.
لم يتم إثبات الأهمية المادية لزيارات نويل دوبوس إلى هنيبعل القذافي في هذه المرحلة، وكذلك الإهتمام الواجب أن يبذله (علي س.) مع الدوائر القضائية للحصول على تصريح زيارة. هذه النقاط هي في صميم تحقيق القضاة.
ومع ذلك، تستمر رئيسة “بست إيميج” في التفاعل مع الوسيط الفرنسي. في 1 حزيران، بينما كانت ترافق وفدًا ليبيًا رسميًا إلى باريس، سألته: “هل أنت معهم أم فقط [حمادي م]”، مدير المراسم بالسفارة”. أجاب نويل دوبوس أنه كان هناك أيضا.
وردا على سؤال للتعليق على تبادلات الرسال، أوضحت ميمي مارشاند أنها “عادت” فقط في “لعبة” نويل دوبوس، وأنها كانت “تتعمق في أكاذيبه”.
2- تقي الدين – هنيبعل: لغز التمويل يتشكل
المال هو محور كل شيء. من دونه لا توجد عملية تقي الدين. ولا عملية هنيبعل القذافي. لعدة أشهر من التحقيق، كان ضباط الشرطة في مكتب مكافحة الفساد (OCLCIFF )، تحت إشراف قاضيي التحقيق فينسينت ليمونييه ودومينيك بلان، يحاولون إعادة تشكيل آلية نظام الـ”ميكانو” المالية التي جعلت من الممكن استكمال جميع إجراءات نويل دوبوس وميمي مارشان لصالح نيكولا ساركوزي في الشأن الليبي.
مع تراكم التحديات القانونية، تتشكل الأحجية. وهي مكونة من قطع متناثرة ومتعددة ومعقدة في بعض الأحيان: حقائب نقدية، وتحويلات ويسترن يونيون، وفواتير مزورة وشركات يتم فحصها …
قام العديد من الأشخاص المحيطين بنويل دوبوس، أولاً، بنقل تفويضات “ويسترن يونيون” في لبنان اعتبارا من خريف 2020 نيابة عن تقي الدين أو الأشخاص الذين يعملون للدفاع عن مصالحه.
وبحسب ملخص للشرطة، تجاوزت المبالغ التي أرسلها ستة أشخاص مختلفين حتى نيسان 2021، 50 ألف يورو. لقد اعتادوا على تمويل محامي تقي الدين في لبنان، وتقي الدين نفسه، ولكن قبل كل شيء، وفقًا للاشتباه القضائي، لجعل متهم ساركوزي ينتظر (أي تقي الدين)، الذي وعد بمبالغ أكبر بكثير – بملايين اليورو هذه المرة – قبل تراجعه عن الإتهام المفاجئ.
بالإضافة إلى هذا المصدر الأساسي للتمويل، يبدو أن هناك رجلا يلعب دورا رئيسيا في الترتيب المالي للعملية بأكملها بقيادة نويل دوبوس، إنه أرنو دو لا فيلبرون، الرئيس السابق لشركة الإتصالات الفرنسية العامة، والذي عمل بشكل ملحوظ في حملة نيكولا ساركوزي الرئاسية في العام 2012.
يُشتبه في أن أرنو دي لا فيليسبرون، الذي يخضع للتحقيق، سمح باستخدام شركته A & Co كواجهة لجميع مناورات دوبوس في لبنان المرتبطة بتراجع تقي الدين ومحاولة الإفراج عن هنيبعل القذافي.
تم تبادل العديد من الرسائل النصية بين دوبوس وفيلبرون، التي اعترضها المحققون، والتي تبين أن الرجلين أقاما نظاما لفواتير “الملاءمة”، وفقًا لتعبير القضاة، ولا سيما مع وكالة ميمي مارشان لإيجاد مبرر محاسبي لمكافأة أنشطة دوبوس اللبنانية لصالح ساركوزي.
تم اتهام رجل الأعمال بيار رينو بالفعل بجمع أموال (320،000 يورو) من إحدى شركاته في ملاذات ضريبية نيابة عن الثنائي دوبوس وفيلبرون، ويشتبه أيضا في أنه قد قام، في أيار الماضي، بتسليم 100،000 يورو نقدا لدوبوس، من خلال شركة “آن تستوز” للإتصالات، القريبة من عشيرة القذافي.
إعترفت الشركة التي وُضعت في الحجز لدى الشرطة، بأنها دفعت بنفسها أموالاً إلى لبنان (15000 يورو) في ما يتعلق بهنيبعل القذافي، وهو مبلغ تم “تعويضه” لها من قبل شركة ميمي مارشاند عن طريق فاتورة مزورة جديدة، وفقًا للتحقيق. اتصل “ميديا بارت” بشركة “آن تستوز” للإستفسار لكنها لم ترد.
أما بالنسبة لمبلغ 100000 يورو من بيار رينو الذي تم تسليمه إليه في 20 أيار – معبأة في حزم من 5000 و 10000 يورو- فقد تم تسليمها على الفور إلى دوبوس في حقائب “شانيل”. وبحسب ما ورد تم نقل الأموال إلى ألمانيا لتسليمها إلى شقيق (علي س.)، الوكيل اللبناني المسؤول عن دفع رواتب القضاة في بيروت. وفقاً لمحاميه، عمل بيار رينو كوسيط فقط في هذه المدفوعات النقدية. تم سجن رينو في مركز الحبس الاحتياطي الصحي في 14 تشرين الأول، بعد الضغط على “آن تستوز” لتعويض الأموال.
في ملخص التحقيق المؤرخ في 29 أيلول، اعتبر القضاة أن هذه القضية “تهدف إلى التأثير على أقوال شاهد وخداع أو حتى تشويه سمعة قضاة التحقيق المسؤولين عن قضية ذات أهمية كبيرة”.
ترجمة “ليبانون ديبايت”