لا يُحسد الرئيس نجيب ميقاتي على موقفه الحكومي، فالكل يريده على قياسه، من القوى الداعمة له الى الدول الغربية التي أعطته جرعة دعم كلامية في مؤتمر المناخ الذي انعقد في اسكتلندا. وحدها السعودية رفعت البطاقة الحمراء أمامه وغادر سفيرها وليد البخاري فور صدور مراسم تشكيل الحكومة، منعاً لأي حرج يتعلق ببروتوكول الزيارات والتهنئة وغيرها من الامور التي تحررت منها المملكة عقب وصول الرئيس ميشال عون الى سدة الرئاسة.
تحوّل ميقاتي الى متراس للأحزاب والقوى التي سمَّته، حاول الرجل إعادة إحياء دور الوسيط حين تسلم حكومة انتقالية للإشراف على الانتخابات النيابية قبل عشر سنوات لكنه فشل أو أُفشل بفعل التطورات الكبيرة التي شهدتها المنطقة بعد العام 2011، وأبرزها تمدد حزب الله في البيئة العربية من بوابة الحرب لا السلم، وما نتج عن ذلك من تصدع لعلاقة لبنان مع الدول الخليجية، لا سيما عقب الحرب اليمنية وسيطرة إيران على أكثر من ساحة وتوسع نفوذها في لبنان، فانكسرت جرة العرب مع من يصفونه بـ “الفارسية اللبنانية”.
تتوالى الانتكاسات، إلا أن الرئيس نجيب ميقاتي لن يقف بعد اليوم مكتوف اليدين، فالضمانة الاولى بالنسبة اليه هي المملكة العربية السعودية وخلفها الشارع السني الناقم على ميقاتي وعلى كل التنازلات التي يقدمها برأيهم لمحور “الممانعة”، حتى البيئة المحيطة برئيس الحكومة أبدت امتعاضها ونصحته بتقديم استقالته اليوم قبل الغد، وأن يتحمل الجميع مسؤولية تصرفاتهم وألا يكون كبش محرقة هذا الفريق أو ذاك. اندفاعة المقربين من
ميقاتي تجاه الاستقالة ناتجة عن “شماتة” الخصوم، لا سيما تيار المستقبل من وقوف ميقاتي عاجزاً امام الوزير جورج قرداحي وخلفه محور يمتد من بيروت الى صنعاء، حيث ظهر رئيس الحكومة ضعيفاً يتمنى ويطلب من وزير في حكومته الاستقالة وبأسلوب لا يتماشى مع التصعيد الخليجي على لبنان، وبالتالي فإن الاسلوب الميقاتي المعتمد اليوم يكاد يكون انتكاسة سُنيّة فاضحة بالنسبة للجمهور المعارض لأداء رئاسة الحكومة، منذ تسلم سعد الحريري الكرسي الثالثة حتى اليوم، إذ يجد هؤلاء أن الحكومات المتعاقبة أمنت الى حد كبير البيئة الحاضنة لتمدّد حزب الله داخل السلطة في مقابل انكفاء دور الطائفة، والذي وصل الى ذروته في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
في رأي أوساط نيابية، فإن لقاءات غلاسكو أعطت ميقاتي شيكاً بلا رصيد، فيما المطلوب اليوم خطوة الى الامام باتجاه السعودية لأن المراوحة هذه ستدفع ميقاتي الى خيار الاستقالة حتماً، كما ان انعقاد جلسة لمجلس الوزراء بطلب أميركي فرنسي غايته تمرير الانتخابات النيابية لا أكثر، وميقاتي غير المتردد للترشح عن المقعد السُني يدفع الكثير من رصيده الشعبي لصالح حزب الله، فطرابلس التي أعطت ميقاتي اربعة مقاعد نيابية في العام 2018 ستحبطه في العام 2022، وما حصل في الاسبوعين الماضيين كفيل بإسقاطه في حال استمر على النهج الوسطي مع الحزب، في مقابل صعود قوى جديدة في المدينة قادرة على قلب موازين القوى، ويُدرك رئيس تيار العزم، الذي أمسك جيدا بعاصمة الشمال في السنوات الأخيرة، أن الصراع فوق الرمال المتحركة سينقلب عليه والخيار أمامه واضح، فإما السير وفق المزاج الشعبي السُني باتجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج، أو البقاء في دائرة المراوحة والظهور كالمدافع عن مطالب حزب الله في المنطقة. فبأي اتجاه سيذهب ميقاتي؟… الجواب تحسمه الأيام المقبلة.