يكون من الصعب أحيانا التركيز بوجود العديد من عوامل التشتيت مثل المكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والضوضاء والمحادثات، ولكن من الممكن مقاومة كل هذه المحفزات والحفاظ على التركيز.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” (lefigaro) الفرنسية، قالت الدكتورة ناتالي زابيرو مانوكيان إن أفراد فريق تابع للمعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية بقيادة جان فيليب لاشو من مركز أبحاث علم الأعصاب في ليون، راقبوا -في دراسة حديثة- عن كثب الأداء الدماغي لمجموعة من الأشخاص.
دراسة حديثة
تضمنت الدراسة مشاركة 85 مريضا يعانون من الصرع المقاوم للعلاج خضعوا لعملية جراحية لزرع أقطاب كهربائية مباشرة في أدمغتهم لتحديد المنطقة المسؤولة عن الصرع.
وفي حديثه عن الدراسة، قال الباحث “فيليب لاشو” إنه “طلبنا من المشاركين قراءة كلمات متتالية باللون الرمادي معروضة على الشاشة مقابل تجاهل الكلمات بالألوان الأخرى. وبفضل الأقطاب الكهربائية المزروعة في قشرة الفص الجبهي، حصلنا على تسجيلات دقيقة للغاية ولاحظنا أن الدماغ في كل مرة يتعرض فيها لمحفز جديد يستغرق أقل من ربع ثانية ليقرر ما إذا كان ذلك المحفز يستحق الانتباه وتخصيص موارد معرفية له، أو تجاهله بناء على التعليمات”.
للحفاظ على التركيز
وبناء على ذلك، تتمثل الطريقة الأولى للحفاظ على التركيز في تحديد هدف واضح وبرمجة عقلك طواعية على تحقيقه. ويقول بينيديكت تيرير -مهندس علوم الأعصاب والتربية- إن “التركيز على شيء واحد ليس أمرا غريزيا دائما، لذلك ينبغي أحيانا اللجوء إلى إستراتيجية تضمن لك نسبة انتباه أكبر، مثل غلق الهاتف وتجاهل رسائل البريد الإلكتروني وغيرها من عوامل التشتيت”.
وأوضح غيتان دي لافيليون -طبيب علوم الأعصاب والمؤسس المشارك لشركة “كوغ إكس” (CogX) للاستشارات والدراسات والتدريب في العلوم المعرفية المطبقة- أن “تركيز الموظف في الشركة لا يعتمد فقط عليه، فكثرة المهام وتعقيدها وتناقضها من شأنها التقليل من تركيز الموظف. كما تؤثر البيئة المادية والرقمية التي يوجد فيها الموظف على تركيزه لذلك وجب تكييفها مع المهام الموكلة إليه”.
فخ العواطف
في بعض الأحيان، يكون للمحفزات -التي تتسبب في تشتيت الانتباه والتقليل من التركيز- عدد من الإيجابيات، بينها التفطن للمخاطر.
فعلى سبيل المثال، عند سماع إنذار حريق أو اكتشاف رائحة غاز غير عادية لا بد من التوقف عن العمل. لكن المشكلة تكمن في أننا نتفاعل عادة مع كثير من عوامل التشتيت التي لا تتطلب اهتماما، خاصة المحفزات ذات الطبيعة العاطفية مثل الرد على رسالة نصية.
وأضاف “لاشو” “يبدو أن الإنسولا -وهو هيكل في الدماغ مسؤول عن تشكل العواطف- يسهم إلى حد كبير في عملية صنع القرار، غير أننا لا نزال نعمل على استكشاف دوره الدقيق في التركيز”.
وضع خطوات صغيرة
تتفاعل دوائر التحفيز في الدماغ مع دوائر القرار. وفي هذا السياق، أوضح “لاشو” أنه “في بعض الأحيان نكون ملزمين بتنفيذ مهام في ظل غياب التحفيز. وفي هذه الحالة ينبغي وضع خطوات صغيرة تتطلب بضع دقائق فقط لتحقيق النجاح وإنهاء المهمة، وينطبق هذا الأمر خاصة على الأشخاص الذين يميلون إلى التسويف والمماطلة”.
على سبيل المثال، إذا وجد تلميذ صعوبة في قراءة نص معين، فمن الأفضل له تقسيم هذا النص إلى أجزاء فرعية قصيرة وواضحة، ومن ثم التحقق من التوافق الشفهي وثم التوافق بين الأسماء والصفات.
عموما، كلما كان لدى المرء هدف واضح كان تصور تحقيقه أسهل نظريا وعمليا. وحسب “تيرير”، فإن القدرة على تقسيم المهام والتخطيط لها ليست مهارات تولد مع المرء، بل يمكن تعلمها.
ومن جهته، نبّه لافيليون إلى “ضرورة التخلي عن الاعتقاد القائل إن الموظفين قادرون على التركيز والتواصل في وقت واحد وذلك لأن الدماغ عاجز عن القيام بمهمتين تتطلبان التركيز”.
(الجزيرة)
المصدر: أ.ف.ب – الجزيرة