…وبعد، يُفترض أنه زمن الانتخابات في بلاد تستفيق كل يوم على سيناريوات مأزومة، واحد تلو آخر، وانها مرحلة التحضير لاستحقاق انتخابي – برلماني – ديموقراطي يراد منه ان يخرج البلد من كبوته، ويحرّر بعض الشعب من ارتهانه… لكن الافتراض والواقع الميداني الذي يحاول بعض السياسيين فرضه على ارض الواقع، يتناقضان تماما إلى حد التأزم الاشتباكي واللعب بالنار في لعبة الشوارع الخطرة…
وعلى رغم ضبابية الأيام او المرحلة التي دخلت فيها البلاد منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام، إلا ان تاريخ 17 تشرين الأول 2019 لا يعيدنا إلى الوراء فحسب، إلى تلك الليلة التي التهب فيها الشارع ليعبّر عن وجع، وقلق وإرادة كبيرة بالتغيير، انما هو تاريخ يطرح امامنا الكثير من التحديات المستقبلية التي لم “تنقشع” صورتها الايجابية إلى الآن…
ومع ذلك، انه زمن الانتخابات التي لا يُفترض ان تُمرَّر بمنطق “القبول بالامر الواقع”، بل انها الفرصة التي من خلالها، اذا أراد الشعب فعلا التغيير والقيامة من هذا الكابوس، ان يدرك اغتنامها… علّه يصل إلى بر الامان والحياة بكرامة…
.. وفي 17 تشرين الأول 2021، يُفترض ان يكون التحضير الانتخابي في ذروته، قبل اشهر من موعد الانتخابات النيابية. من هنا، فان التحدي لا يُلقى فقط على مستوى الشعب وضرورة وعيه للتغيير، وانما على أساليب او مقوّمات هذا التغيير… وهذا ما يشرّع السؤال الأساسي: أين هي مجموعات الحراك التغييري من فرصة خوض الانتخابات النيابية المقبلة، بنجاح، واي امكان للفوز وخرق مقاعد نيابية، لئلا نقول خرق هذا الجدار الثقيل؟
مقوّمات انتخابية
كثيرة هي التقلبات التي مرّت بها مجموعات الحراك المدني منذ لحظة 17 تشرين 2019، لا سيما ان الحراك العفوي أثّر كثيرا على المجموعات وأبطأ امكان توحّدها في قالب جامع واضح. من العناوين السياسية المختلَف على عدد جوهري منها (كسلاح “حزب الله)، إلى العناوين المالية والاقتصادية الكبرى (كالتعرض بشكل مباشر للمصارف وحاكم مصرف لبنان)، وصولا إلى الهمّ المعيشي المتعدد الجانب، من التدني غير المسبوق للقدرة الشرائية للمواطن، مرورا بأزمات الدواء والطبابة والمأكل، وصولا إلى مشكلة البنزين والمحروقات…
كلها تسلسل انحداري أوصل البلاد إلى درك يصعب القفز منه قريبا… في المقابل، كانت اعين عدد كبير من مجموعات الحراك على اول استحقاق زمني يشكل لها فرصة للتغيير، هي فرصة الانتخابات…
مشوار التحضير أخذ الكثير الكثير من الوقت عند مجموعات الحراك… وعلى الطريق، بات الفرز أقرب إلى الواقع. بعضها تلاقى في “بوتقة” واحدة، وبعضها الآخر فضّل السير وحيدا، فيما البعض الثالث سقط في انطلاقة المشوار…
من هنا، بات الفرز، قبيل الانتخابات، وكأنه يتلخص بمجموعات او منصات، كما يحلو لأصحابها التسمية. منصة “نحو الوطن”، ومجموعة “كلنا إرادة”.
ولعلّ ابرز تميّز بين الاثنتين، هو شعار “كلّن يعني كلّن”، الذي تتمسك به منصة “نحو الوطن” فتستبعد منها كل من هو، برأيها، كان شريكا بهذه السلطة او “المنظومة” (التسمية لمجموعات المجتمع المدني نفسه)، حتى لو كانت هذه الشراكة متفاوتة في المقاييس والمعايير، او بالاحرى بدرجة “التواطؤ” في “وسخ السلطة وفسادها”، إن صحّ التعبير. فيما “تتحرر” مجموعة “كلنا إرادة” من هذه “الحجة” وتنفتح على أحزاب ونواب مستقيلين وتيارات انسجمت في عناوينها الكبرى مع عناوين ثورة 17 تشرين.
وعليه، بات الفرز أوضح الآن. انما تكتيكيا، كيف السبيل لأن تخوض هذه المجموعات غمار الاستحقاق النيابي؟ اذ من المعلوم ان مقومات أي عملية انتخابية ديموقراطية يُفترض ان تجمع عوامل عدة. أولها، هيكلية مشتركة جامعة او اقله هيكلية واضحة في الشكل والاطار التنظيمي. ثانيها، خطاب سياسي يمكن من خلاله التوجه إلى الرأي العام، ولاسيما الرأي العام الانتخابي الذي يزداد وضوحا قبيل الانتخابات، والعامل الثالث العمل السياسي الواضح.
وليس عجبا القول ان هذه العوامل لا تزال تحتاج إلى الكثير من “النحت” او العمل الجدي، لان معركة التغيير ليست بالسهلة.
هذا الواقع يدركه جيدا القيّمون على منصة “نحو الوطن”، وهم يتحضرون للاستحقاق. وتكشف أجواء من قلب المنصة لـ”النهار” انهم “بنوا ماكينة انتخابية لقوى التغيير، تهدف إلى مساعدتها للوصول إلى البرلمان، وهي مكونة من خبراء في ادارة الانتخابات والاحصاءات والتدريب والاعلان والإعلام. كما أطلقنا شبكة منسقين في كل المناطق اللبنانية، اضافة إلى شبكة في الاغتراب تضم حتى الآن 29 مدينة حول العالم، علما اننا نؤمّن تمويلا بطريقة شفافة جدا عبر افراد لبنانيين ووفق شروط واضحة، منشورة على موقعنا الالكتروني”.
ويقول متحدث باسم المنصة ان “العمل الجدي الآن هو لتسهيل عملية تشكيل إئتلاف إنتخابي من الأحزاب الناشئة والمجموعات السياسيّة والمرشّحين المستقلّين التغييريين، وتسهيل تشكيل قائمة مرشّحين معارِضة رئيسيّة واحدة على مستوى الوطن، أي في الـ 15 دائرة انتخابية، وفق القانون الحالي”.
60 في المئة تأييداً؟
وفق “نحو الوطن”، فان “الارتياح كبير لسير الأمور”، كونهم يعتمدون “استراتيجية شاملة تساعد في دفع التغيير السياسي عبر تمكين ظهور قادة سياسيين مؤهّلين ومستقلّين وصادقين ملتزمين خدمة المصلحة الوطنية وتتمّ محاسبتهم أمام ناخبيهم”، ولكن، هل هذا يعني انهم مرتاحون للعبة الارقام والإحصاءات ونبض الارض؟
يجيب المتحدث نفسه: “نعتقد ان فرص النجاح مرتفعة جدا لأن الشعب يريد التغيير فعلا. والإحصاءات التي نجريها تدل أيضا على ذلك، اذ ابدى نحو 60 في المئة من المستفتين تأييدهم للحراك الشعبي. وهذه النسبة متساوية في كل الاقضية التي أُجريت فيها الاحصاءات. وقد أجريناها بطرق عدة، منها عبر شركة إحصاءات، ومنها مباشرة من خلال زيارات او اتصالات هاتفية. واعتمدنا عيّنات كبيرة تعكس التنوع الديموغرافي والطائفي والجغرافي في كل منطقة”.
ويؤكد ان “اهم عامل سيكون نسبة الاقتراع، فكلما ارتفعت ازدادت فرص وصول نواب يؤمنون بالتغيير، من هنا، ندعو المواطنين إلى الايمان بأن البديل من الطبقة السياسية التي اوصلتنا إلى هنا، موجود، تماما كما ندعو المغتربين إلى التسجيل في السفارات اذا كانوا اكيدين انهم لن يكونوا في لبنان خلال الانتخابات”.
واذا كانت نسبة الـ60 في المئة ليست قليلة، فأي مقاعد بارزة يمكن أن يتم عبرها الخرق؟ تردّ أجواء المنصة: “من المبكر اليوم تحديد ما ستؤول اليه الامور في شكلها النهائي، انما نحن متأكدون من الخرق في كل الدوائر الانتخابية، بنسب مختلفة. وهذا سيتظهر تدريجا وبالتفصيل مع الوقت ومع تطور العمل”.
رؤية ووجوه – ثقة!
عند مجموعة “كلنا إرادة”، العمل أيضا لا يتوقف. تقول المديرة التنفيذية للمجموعة ديانا منعم لـ”النهار” ان “مجموعتنا تواكب وتدعم شركاء وأحزاب المعارضة، وليست هي من ترشح او تركّب لوائح”.
وينقسم عمل المجموعة إلى جملة محاور، تفصّلها منعم: “تطوير مبادئ مشتركة ضمن رؤية موحدة. مراعاة خصوصية او توازنات كل منطقة او دائرة انتخابية، الامر الذي ينعكس حتما على تركيبة اللوائح في هذه الدوائر. شِق الإعلام والاعلان والذي سيتبلور اكثر في المرحلة القريبة. الشق اللوجستي والاغترابي إن عبر الدعم المادي الذي يقدمه هؤلاء للحملة، أو الدعم المعنوي عبر مشاركتهم الكثيفة التي نعوّل عليها كثيرا”.
اما عن حظوظ المجموعة في إيصال هذه الأحزاب والمرشحين إلى الندوة البرلمانية، فتجيب منعم بصراحة: “ليس رفض السلطة او النقمة عليها يعني ان يترجم تلقائيا في التصويت للطرف الآخر المقابل. وهذا ما نركز عليه في عملنا وماكينتنا. صحيح ان فئة كبيرة من جمهور الأحزاب لم تعد موافقة على طروحات أصحابها، وانها لن تصوّت بالطريقة السابقة نفسها، حتى في الثنائي الشيعي ثمة تغير ورفض. وهذا ما نلمسه في احصاءاتنا وارقامنا. انما نحن نعي ان الإحصاء يمكن ان يتغير كلما اقتربنا من مرحلة الانتخابات، والاسهم قد ترتفع وقد تنخفض، من هنا فان هذه الرغبة في التغيير، وكي تتجلى بالطريقة المناسبة ينبغي ان تترافق مع بلورة مشتركة وصورة جامعة للترشيحات لرفع أسهم الخرق، وان نبرز وجوها ذات ثقة وذات عمل جدي. هذا رهاننا الذي يوصلنا حتما إلى النجاح”.
وبلغة الأرقام، يفنّد الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”النهار” قراءة أولية لإمكان خرق الحراك المدني عددا من المقاعد النيابية. هو ينطلق من معادلة واحدة تقول: “اذا توحّد الحراك في لائحة واحدة يستطيع الخرق، شرط التزامه مرشحين أقوياء وأسماء قوية ذات كفايات، وإلا فثمة صعوبة في تحقيق الفوز”.
وعن المقاعد التي يمكن ان يخرق فيها، وفق شمس الدين: “دائرتا بيروت الأولى والثانية، الشوف – عاليه، كسروان – جبيل، الشمال الثانية (طرابلس، المنية، الضنية)، والشمال الثالثة (بشري، زغرتا، البترون، الكورة)، فيما لا ارى خرقا في المتن”.
وإذ يلفت إلى ان “الصورة البيانية – الاحصائية تتوضح اكثر نهاية السنة الجارية”، يعلّق شمس الدين: “يبقى الحكم الفعلي لصندوق الاقتراع وللمزاج الانتخابي آخر لحظة”.
إذاً مفتاح اللعبة بات واضحا… علّ القيّمين عليه لا يتجاهلونه…اذا أرادوا التغيير!