أعادت الطيونة في الأمس لبنان واللبنانيين الى حقبات زمنية مختلفة، لا بل وضعتهم على تماس مع مخاوفهم وهواجسهم وانقساماتهم التي،كلما عادت الى الواجهة، رسمت علامات الموت السريري لوطن كلما أراد ان يتنفس، تأتيه “كورونا” السياسة اللبنانية فتحرمه الاوكسجين الطبيعي وتضعه على آلات الانعاش المفعمة بالطائفية والمذهبية والمناطقية والمصالح الذاتية.
ما حصل في الأمس يمكن له ان يكون “بروفا” سريعة لأحداث مماثلة متنقلة أو مركزية تظهر وتغيب وفقا للحاجة والتمنيات، بمعنى آخر قد نشهد خلال هذه الفترة التي انطلقت فيها تحضيرات الأحزاب والمجتمع المدني للانتخابات النيابية مجموعة أحداث أمنية في مناطق لبنانية مختلفة.
وفي هذا الاطار يؤكد مصدر سياسي متابع لـ “لبنان 24″، ان “التحذيرات من تفلت أمني ليس جديدة، بل لطالما أثبتت التجارب ان غياب الحلول السياسية وانسداد الأفق الاقتصادي سيؤديان بشكل مباشر الى الوقوع في المحظور والذهاب نحو قواعد الحرب او الاشتباكات المسلحة، وهنا لا بد من الاشارة الى ان عوامل الحرب الشاملة غير متوفرة مبدئيا على الساحة اللبنانية، انما دوافع وأدوات الجولات والصولات التي تأخذ طابعا مسلحا جاهزة، لا بل تأخذ وضعية التأهب للانطلاق عند اي اشارة ممكنة، وهذا تماما ما يفسر ما حصل في الطيونة، اذ انه وبعيدا عن زواريب التفاصيل التي تلقي اللوم على طرف وتبرئ طرفا آخر. تبقى الحقيقة ساطعة وواضحة، فمختلف الاطراف المتقاتلة في الأمس كانت مستعدة، والاستعداد كان على صعيد النفوس والعقول والتزوّد بالسلاح في آن معا، فبعد الشحن عبر البيانات والتسريبات الاعلامية وزّع السلاح بانتظار اعلان ساعة الصفر.
اضاف المصدر السياسي” ان شهية المنافسة ومحاولة شد العصب واسترجاع المحازبين واستقدام المؤيدين انطلقت لاسيما عند الأحزاب المسيحية التي ستدور المعركة الانتخابية الحقيقية في صفوفها ومناطقها، وهنا لا نعني ان هذه الاحزاب هي من تدفع نحو الشارع، انما نشير الى انها ستكون جزءا أكيدا من هذا الشارع الذي ستستخدم فيه كل أدوات الشحن والتلاعب بهدف العودة الى السلطة ومحاولة الامساك بالقرار من قبل الاطراف اللبنانية كافة”.
ويضيف المصدر عينه ان ” التخوّف الحقيقي حاليا هو من استسهال البعض ورغبته الدائمة في خوض المعارك والحروب، فالارضية الجاهزة ونقمة اللبنانيين ستدفع الجميع وبوتيرة مختلفة الى حمل السلاح ظنا منهم ان السلاح سيفرض الحلول ويرسم معالم ايجابية للمرحلة المقبلة، لكن الحقيقة مغايرة لهذا المنطق، فالسلاح وعبر التاريخ ما كان الا سبب هلاك للبنان واللبنانيين”.
أمام هذا الواقع المستجد وهذه الأزمة الجديدة التي أضيفت الى يوميات اللبناني المفعمة أساسا سوادا وسلبية، لا بد لنا من ان نسأل، ما الذي يحتاجه المواطن اليوم؟ ما هي أولوياته وطموحاته الحالية؟
ان الاجابة على هذه التساؤلات تبدو واضحة ولا تشوبها احتمالات، فالمواطن من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال يبحث وبشكل حصريّ عن العيش الكريم اي انه يحاول الاستمرار في ظل التفلت غير المسبوق للدولار، وأقصى طموحاته الحالية تدور في فلك البنزين والدواء والغذاء والمولدات الكهربائية والاستشفاء والمحافظة على التعليم وغيرها من بديهيات الحياة التي حولها أداء أهل الحكم الى أحلام وطموحات.
وتأمين هذه الاولويات لا يتم الا عبر حكومة فاعلة متجانسة ومنتجة، من هنا يبدو اي تعطيل او تجميد لعمل الحكومة الحالية جريمة موصوفة بحق المواطن، اذ ان تعطيل العمل الحكومي سيزيد المشكلات الحياتية تفاقما وسيعيدنا الى مرحلة شبيهة بمرحلة الفراغ التي انهكت البلاد والعباد.
كما ان المراهنة على عامل الوقت لم تعد نافعة، فالرحلة الاصلاحية في تسابق مع الزمن وعقارب الساعة لا تصب في مرحلة اي طرف أو جهة لبنانية، من هنا الدعوة الى أهل السياسة والقضاء والأمن والاحزاب، ان يضعوا كرامة اللبناني وعيشه الكريم أولوية في عملهم وادائهم.